فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِيءُ الله الخلق}.
قراءة العامة بالياء على الخبر والتوبيخ لهم، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
قال أبو عبيد: لذكر الأمم كأنه قال أوَلَم ير الأمم كيف.
وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثّاب وحمزة والكسائي: {تَرَوْا} بالتاء خطابًا؛ لقوله: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا}.
وقد قيل: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا} خطاب لقريش ليس من قول إبراهيم.
{ثُمَّ يُعِيدُهُ} يعني الخلق والبعث.
وقيل: المعنى أوَلَم يروا كيف يبدىء الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدًا.
وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدًا، وخلق من الولد ولدًا.
وكذلك سائر الحيوان.
أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} لأنه إذا أراد أمرًا قال له كن فيكون.
قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرض} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض {فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق} على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم؛ لتعلموا بذلك كمال قدرة الله.
{ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة} وقرأ أبو عمرو وابن كثير: {النَّشَاءَةَ} بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفةِ والرآفةِ وشبهه.
الجوهري: أنشأه الله خلقه، والاسم النشأة والنشاءة بالمدّ عن أبي عمرو بن العلاء.
{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} أي بعدله.
{وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ} أي بفضله.
{وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} ترجعون وتردون.
{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} قال الفرّاء: معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية؛ للضمير الذي لم يظهر في الثاني.
وهو كقول حسان:
فمن يَهْجو رسول اللَّهِ منكم ** ويمَدحُهُ ويَنصرُه سَواءُ

أراد ومَن يمدحه وينصره سواء؛ فأضمر مَن؛ وقاله عبد الرحمن بن زيد.
ونظيره قوله سبحانه: {وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] أي مَن له.
والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه.
وقال قُطْرُب: ولا في السماء لو كنتم فيها، كما تقول: لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا، بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار أليها.
وقيل: لا يستطيعون هربًا في الأرض ولا في السماء.
وقال المبرّد: والمعنى ولا مَن في السماء على مَن ليست موصولة ولكن تكون نكرة و{فِي السَّمَاءِ} صفة لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف.
وردّ ذلك عليّ بن سليمان.
وقال: لا يجوز.
وقال: إن مَن إذا كانت نكرة فلابد من وصفها فصفتها كالصلة، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة؛ قال: والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون؛ والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله؛ كما قال: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
{وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} ويجوز {نَصِيرٌ} بالرفع على الموضع، وتكون {مِن} زائدة.
{والذين كَفَرُوا بِآيَاتِ الله وَلِقَآئِهِ} أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام.
{أولئك يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي} أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أويسوا.
وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيرًا وتحذيرًا لأهل مكة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق}.
كلامٌ مُستأنفٌ مسوقٌ من جهتِه للإنكارِ على تكذيبهم بالبعث معَ وضوحِ دليلِه وسنوحِ سبيلِه. والهمزةُ لإنكارِ عدمِ رؤيتهم الموجبِ لتقريرها والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ أي ألم ينظروا ولم يعلموا علمًا جاريًا مجرى الرؤيةِ في الجلاءِ والظُّهور كيفيةَ خلقِ الله تعالى الخلقَ ابتداءً من مادَّةٍ ومن غير مادَّةٍ أي قد علموا ذلك. وقُرىء بصيغةِ الخطابِ لتشديدِ الإنكارِ وتأكيدِه. وقُرىء يبدأُ وقوله تعالى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} عطفٌ على أو لم يَروا لا على يُبدىء لعدمِ وقوعِ الرُّؤية عليه فهو إخبارٌ بأنَّه تعالى يعيد الخلقَ قياسًا على الإبداءِ، وقد جُوِّز العطفُ على يُبدىء بتأويلها الإعادةِ بإنشائِه تعالى كل سنة مثلَ ما أنشأه في السَّنةِ السَّابقةِ من النبات والثمار وغيرِهما فإنَّ ذلك ممَّا يُستدلُّ به على صِحَّة البعثِ ووقوعه من غير رَيبٍ {إِنَّ ذلك} أي ما ذُكر من الإعادة {عَلَى الله يَسِيرٌ} إذ لا يفتقر فعلُه إلى شيءٍ أصلًا.
{قُلْ سِيرُوا في الأرض} أمرٌ لإبراهيمَ عليه السَّلام أنْ يقولَ لهم ذلك أي سِيروا فيها {فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق} أي كيف خلقَهم ابتداءً على أطوارٍ مختلفةٍ وطبائعَ متغايرةٍ وأخلاقٍ شتَّى فإنَّ ترتيبَ النَّظر على السَّيرِ في الأرضِ مؤذنٌ بتتبعِ أحوالِ أصنافِ الخلق القاطنينَ في أقطارِها {ثُمَّ الله يُنشِىء النشأة الآخرة} بعدَ النَّشأةِ الأُولى التي شاهدتُموها. والتَّعبيرُ عن الإعادةِ التي هي محلُّ النزاعِ بالنَّشأةِ الآخرةِ المشعرةِ بكون البدِء نشأةً أولى للتَّنبيهِ على أنَّهما شأنٌ واحدٌ من شؤونِ الله تعالى حقيقةً وإسمًا من حيثُ إنَّ كلًا منهما اختراعٌ وإخراجٌ من العدمِ إلى الوجودِ ولا فرقَ بينَهما إلا بالأوليةِ والآخريةِ. وقُرىء النَّشاءَة بالمدِّ وهما لُغتانِ كالرَّأفةِ والرَّآفةِ ومحلها النَّصبُ على أنَّها مصدرٌ مؤكِّدٌ ليُنشىء بحذف الزَّوائد والأصلُ الإنشاءةِ أو بحذف العاملِ أي ينشىء فيشأون النَّشأةَ الآخرةَ كما في قوله تعالى: {وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} والجملةُ معطوفةٌ على جُملةِ سيروا في الأرض داخلةٌ معها في حيِّز القول. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ وإيقاعُه مبتدًا مع إضمارِه في بدأ لإبرازِ مزيدِ الاعتناءِ ببيانِ تحقُّق الإعادةِ بالإشارة إلى عِلَّة الحُكم وتكريرِ الإسنادِ. وقولُه تعالى: {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} تعليلٌ لما قبله بطريقِ التَّحقيق فإنَّ من علِم قدرتَهُ تعالى على جميعِ الأشياءِ التي من جُملتِها الإعادةُ لا يتصوَّر أنْ يترددَ في قدرتِه عليها ولا في وقوعِها بعد ما أخبر به {يُعَذّبُ} أي بعد النَّشأةِ الآخرةِ {مَن يَشَاء} أن يعذبه وهم المنكرون لها حَتمًا {وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء} أنْ يرحمَه وهم المصدِّقُون بها والجملةُ تكملة لما قبلها. وتقديمُ التَّعذيبِ لما أنَّ التَّرهيبَ أنسبُ بالمقام من الترَّغيبِ {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}.
عند ذلك لا إلى غيرهِ فيفعلُ بكم ما يشاءُ من التَّعديبِ والرَّحمةِ {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} له تعالى عن إجراءِ حُكمه وقَضائه عليكم {فِي الأرض وَلاَ في السماء} أي بالتَّواري في الأرضِ أو الهبوطِ في مَهَاويها ولا بالتَّحصُّنِ في السَّماءِ التي هي أفسحُ منها لو استطعتُم الرُّقيَّ فيها كما في قولِه تعالى: {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُوا مِنْ أقطار السموات والأرض فانفذوا} أو القلاعِ الذَّاهبةِ فيها وقيل في السَّماء صفةٌ لمحذوفٍ معطوفٍ على أنتُم أي ولا من في السَّماءِ {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} يحرسكم ممَّا يُصيبكم من بلاءٍ يظهرُ من الأرضِ أو ينزلُ من السَّماءِ ويدفعُه عنكم.
{والذين كَفَرُوا بئايات الله} أي بدلائلِه التَّكوينيةِ والتَّنزيليةِ الدَّالَّةِ على ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه فيدخلُ فيها النَّشأةُ الأُولى الدَّالَّة على تحقُّق البعثِ والآياتُ النَّاطقةُ به دُخولًا أوليًا. وتخصيصُها بدلائلَ وحدانيتِه تعالى لا يناسبُ المقامَ {وَلِقَائِهِ} الذي تنطقُ به تلك الآياتُ {أولئك} الموصُوفون بما ذُكر مِن الكفر بآياتِه تعالى ولقائِه {يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِى} أي ييأسون منها يومَ القيامةِ. وصيغةُ الماضي للدِّلالة على تحقُّقِه أو يئسوا منها في الدُّنيا لإنكارِهم البعثَ والجزاءَ {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي تكرير اسمِ الإشارة وتكريرِ الإسناد وتنكيرِ العذابِ ووصفهِ بالأليمِ من الدِّلالةِ على كمالِ فظاعةِ حالِهم ما لا يخفى، أي أولئك الموصُوفون بالكفر بآياتِ الله تعالى ولقائِه وباليأس من رحمتِه الممتازون بذلك عن سائر الكَفَرة لهم بسبب تلك الأوصافِ القبيحةِ عذابٌ لا يُقَادر قَدرُه في الشِّدَّةِ والإيلامِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق} إلخ. كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله، والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها، والواو للعطف على مقدر أي ألم ينظروا ولم يعلموا كيفية خلق الله تعالى الخلق ابتداءً من مادة ومن غير مادة أي قد علموا ذلك.
وقرأ حمزة. والكسائي. وأبو بكر بخلاف عنه {أَلَمْ تَرَوْا} بتاء الخطاب، وهو على ما قال هذا البعض لتشديد الإنكار وتأكيده ولا يحتاج عليه إلى تقدير قول، ومن لم يجعل ذلك كلامًا مستأنفًا مسوقًا من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث قال: إن الخطاب على تقدير القول أي قال لهم رسلهم: {أَلَمْ تَرَوْا}.
ووجه ذلك بأنه جعل ضمير {أَوَ لَمْ يَرَوْا} على قراءة الغيبة لأمم في قوله تعالى: {أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ} [العنكبوت: 18] فيجعل في قراءة الخطاب له أيضًا ليتحد معنى القراءتين، وحينئذٍ يحتاج لتقدير القول ليحكى خطاب رسلهم معهم إذ لا مجال للخطاب بدونه.
وقيل: إن ذاك لأنه لا يجوز أن يكون الخطاب لمنكري الإعادة من أمة إبراهيم أو نبينا عليهما الصلاة والسلام وهم المخاطبون بقوله تعالى: {وَإِن تُكَذّبُوا} [العنكبوت: 18] لأن الاستفهام للإنكار أي قد رأوا فلا يلائم قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا} [العنكبوت: 20] الخ لأن المخاطبين فيها هم المخاطبون أولًا، يعني إن كانت الرؤية علمية فالأمر بالسير والنظر لا يناسب لمن حصل له العلم بكيفية الخلق، والقول بأن الأول دليل أنفسي، والثاني آفاقي مخالف للظاهر من وجوه اه فتدبر، ولعل الأظهر والأبعد عن القيل والقال في نظم الآيات ما نقلناه عن بعض المحققين.
وقرأ الزبيري وعيسى وأبو عمرو بخلاف عنه {كَيْفَ يَبْدَأُ} على أنه مضارع بدأ الثلاثي مع إبدال الهمزة ألفًا كما ذكره الهمداني، وقوله تعالى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} عطف على {أَوَلَمْ يَرَوْا} لا على يبدىء لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة فلو عطف عليه لم يصح وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته فلو كان معلومًا لهم كان تحصيلًا للحاصل.
وجوز العطف عليه بتأويل الإعادة بإنشائه تعالى كل سنة مثل ما أنشأه سبحانه في السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث ووقوعه على ما قيل من غير ريب، وعن مقاتل أن الخلق هنا الليل والنهار وليس بشيء {إِنَّ ذلك} أي ما ذكر من الإعادة، وجوز أن يكون المشار إليه ما ذكر من الأمرين {عَلَى الله يَسِيرٌ} إذ لا يحتاج فعله تعالى إلى شيء خارج عن ذاته عز وجل.
{قُلْ سِيرُوا في الأرض} أمر لإبراهيم عليه السلام أن يقول لقومه ذلك عند بعض المحققين، وكذا جعله من جعل جميع ما تقدم من قصة إبراهيم عليه السلام، ومن جعل قوله تعالى: {وَإِن تُكَذّبُوا} [العنكبوت: 18] إلى قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} [العنكبوت: 24] اعتراضًا جعل هذا أمرًا لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لقريش.
وجوز أن يجعل نظم الآيات السابقة على ما نقل عن بعض المحققين ويجعل هذا أمرًا للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول ذلك لهم فإنهم مثل قوم إبراهيم عليه السلام والأمم الذين من قبلهم في التكذيب بالبعث والإنكار له، وما في حيز هذا القول متضمن ما يدل على صحته، وعدم اتحاده مع ما سبق لا يضر.
وأيًا ما كان فإضافة الرحمة إلى ضمير المتكلم فيما يأتي إن شاء الله تعالى لما أن ذلك حكاية كلامه عز وجل على وجهه ومثله في القرآن الكريم كثير، والسير كما قال الراغب: المضي في الأرض، وعليه يكون في الآية تجريد، والظاهر أن المراد به المضي بالجسم، وجوز أن يراد به إجالة الفكر.
وحمل على ذلك فيما يروى في وصف الأنبياء عليهم السلام أبدانهم في الأرض سائرة وقلوبهم في الملكوت جائلة، ومنهم من حمل ذلك على الجد في العبادة المتوصل بها إلى الثواب، والمعنى على ما قلنا أولًا امضوا في الأرض وسيحوا فيها.
{فانظروا كَيْفَ بَدَأَ} الله تعالى: {الخلق} أي كيف خلقهم ابتداءً على أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتى، فإن ترتيب النظر على السير في الأرض مؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة والكيفية في هذه الآية لما أن الأولى كما علمت باعتبار المادة وعدمها وهذه باعتبار تغاير الأحوال.
ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع أعني {يَبْدَأُ} دون الماضي كما هنا لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعل أطوارها مختلفة، وأنت إذا لاحظت أطوارها مختلفة إنما هو بعد سبق المادة ولو سبقًا ذاتيًا وهو ما قام به الاختلاف أعني ذوات الأشياء لا تشك في أن الأول أغرب من الثاني، ولذا ترى التمدح بأصل الخلق في القرآن العظيم أكثر من التمدح بالجعل المذكور.
وقد وافق الصيغة في الإشعار بالغرابة بناء الفعل من باب الأفعال فإنه غير مستعمل ولذا قالوا: أنه مخل بالفصاحة لولا وقوعه مع {يُعِيدُ} [العنكبوت: 19] ، ومما يقرب من هذا السر ما قيل في وجه حذف الياء من يسر في قوله تعالى: {واليل إِذَا يَسْرِ}.
[الفجر: 4] من أن ذلك لأن الليل يسري فيه لا يسري أي ليدل مخالفة الظاهر في اللفظ على مخالفته في المعنى وهو معنى دقيق.
وقيل في وجه التعبير بما ذكر إفادة الاستمرار التجددي وهو بناءً على المعنى الثاني في الآية.